أكد عدد من الخبراء فى مجال الزراعة والاقتصاد والموارد المائية، أن مشكلة سد النهضة، لا تتعلق ببناء السد فى حد ذاته، بقدر ما ترتبط بشكل أساسى بسوء إدارة الحكومة المصرية للأزمة، وغياب الوعى بالتعامل الأمثل مع قضية المياه، بالإضافة إلى بزوغ التصريحات العدائية، المطالبة باللجوء للتعامل العسكرى.
وطرح الخبراء رؤيتهم للتعامل مع الأزمة وحلها بشكل يعود بالنفع على جميع الأطراف، خلال مؤتمر حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، تحت عنوان "نهر النيل شريان الحياة لمصر وإفريقيا"، الذى نظمه مساء اليوم الأحد، بنقابة التجاريين بشارع رمسيس، حيث أكدوا ضرورة التأكيد علي أن مصر ليست ضد مشاريع التنمية فى دول حوض النيل، والسعى لإقامة مشروعات تنموية واقتصادية مشتركة بين مصر ودول الحوض.
وشدد الخبراء على ضرورة الاحتكام للتفاوض وتحسين العلاقات مع إثيوبيا ودول القارة الإفريقية، مؤكدين ضرورة أن يكون اللجوء للقوة الناعمة لمصر، وأوراق الضغط باستغلال قناة السويس على سبيل المثال ومنع سفن إثيوبيا والدول الممولة للسد من القناة، هو الحل الأخير فى حال فشل أى مجال للتفاوض والحوار المجتمعى بين الدولتين.
من جانبه، قال البرلمانى السابق أبوالعز الحريرى، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، القيادى بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، إن ما تم إنشاؤه فى سد النهضة بإثيوبيا هو 15% من الإنشاءات فقط، مؤكداً أن هذا يمكّننا من استغلال فترة استكمال الإنشاءات فى تحسين علاقاتنا مع إثيوبيا ودول حوض النيل.
وأكد البرلمانى السابق، خلال كلمته فى المؤتمر، أن ما نمر به الآن هو أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة فى المياه أو الغذاء، بالإضافة إلى عدم إدراك المسئولين خطورة زيادة السكان مع ثبات الموارد المائية.
وأضاف المرشح الرئاسى السابق، أن الوقوف على سد النهضة ليس هو المشكلة الكبرى، ولكن الأهم هو تحقيق الاستفادة القصوى من مياه النيل والمحافظة عليها من التلوث، قائلاً إن مياه النيل لا تروى العطشان الآن، ولكنها تسممه وتؤدى إلى نفوق الحيوانات.
وأشار الحريري، إلى أن مصر لديها من الإمكانيات ما يساعدها على توفير وتخزين المياه والحفاظ عليها لتكون صالحة للاستخدام، بالإضافة إلى إمكانياتها لتوفير كم هائل من الطاقة الكهربائية عن طريق الشمس، والتى يمكن تصديرها إلى إثيوبيا بما يساهم فى حل مشكلة سد النهضة.
وفى السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادى، الدكتور أحمد السيد النجار، رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الأهرام، عضو مجلس أمناء التيار الشعبى المصرى، إن ما يتردد عن فترة ملء خزان سد النهضة بالمياه فى 5 سنوات فقط، يعتبر كارثة بكل المقاييس، واعتداء على الحياة فى مصر، مؤكداً أن مصر فى أمس الحاجة لتحصين حصتها من مياه النيل، ليس كنوع من الترف، ولكن لأن كل قطرة مياه تساوى حياة بالفعل.
وأكد الخبير الاقتصادى، خلال كلمته فى المؤتمر، ضرورة التفاوض مع إثيوبيا على إطالة فترة ملء الخزان، قائلاً: "على إثيوبيا القبول بالتفاوض حول فترة ملء خزان السد، وعدم قبول ما تلوح به أديس أبابا برفض التفاوض حول الأمر".
وأشار رئيس مركز الدراسات الاقتصادية بمركز الأهرام إلى ضرورة إثبات أن مصر دولة سلام تسعى للحفاظ على حصتها من المياه فقط، ولا تلجأ إلى التهديد أو تسعى إلى الدخول فى حرب، لافتاً إلى أن مصر يمكنها مساعدة إثيوبيا فى استغلال حصتها من المياه، والتى تبلغ 26 مليار متر مكعب، بإقامة مشروعات تستطيع الاستفادة من باقى حصتها من المياه التى تستفيد منها، والتى تبلغ حوالى 21 مليار متر مكعب، على سبيل المثال فى جوبا وشيلى.
وأوضح عضو مجلس أمناء التيار الشعبى، أن مصر تكلفت إنشاء العديد من السدود لدول حوض النيل للحفاظ على المياه وتقليل النسبة المتبددة فى البحر، والتى مازال لها حق الإشراف على إدارتها، مشدداً علي أن دور مصر فى الحفاظ على مياه النيل، كفيل لحفظ حصة مصر من مياه النهر دون المساس بها، مشيراً إلى أن المشروعات المائية التى شيدتها مصر فى تلك الدول، كانت تهدف إلى توفير الطاقة الكهربائية لها، بالإضافة إلى الحفاظ على الموارد المائية للنيل.
وأضاف، أن مصر تعاملت مع دول حوض النيل بدرجة عالية من الأنانية المفرطة ليس فقط فيما يتعلق بالمياه، ولكن على المستوى الإنسانى رغم ما يربطنا بتلك الدول من أخوة النهر، مستشهداً فى ذلك بما مرت به إثيوبيا من مجاعة، بينما لم تقدم لها مصر أى مساعدة من الموارد الغذائية.
واستطرد النجار، قائلاً "إن إثيوبيا تتعامل مع سد النهضة على أنه شأن داخلى"، مشدداً على أن ذلك ليس شأناً داخلياً لأنه يؤثر على حقوق دول حوض النيل التى تليها وهى السودان ومصر، ومن حق مصر المشاركة فى اتخاذ القرار فيما يتعلق بمياه النهر مع الدول التى تسبقها على حوض النيل.
فيما أكد الدكتور عبد الفتاح مطاوع، نائب رئيس المركز القومى لبحوث الماء السابق، ضرورة أن تبعث مصر برسائل لدول حوض النيل يكون مضمونها، أننا لسنا ضد التنمية فى دول الحوض فى إطار قواعد القانون الدولى وما يتفق عليه الخبراء، دون التأثير على حصة دول حوض النيل من المياه.
وقال نائب رئيس المركز القومى لبحوث الماء، خلال كلمته فى المؤتمر، "يمكن أن يتم الاتفاق مع دولة إثيوبيا على كيفية ملء السد، والخروج من الأزمة بإقامة مشروعات مشتركة بين مصر وإثيوبيا والسودان، بالتمويل والخبرات التى تمتلكها مصر فى العديد من المجالات، بما يعود بالنفع على البلدان الثلاثة".
وشدد خبير بحوث المياه، على ضرورة مساعدة مصر لدول حوض النيل، لتوفير مصادر للطاقة، حتى لا تلجأ إلى إقامة مشروعات تؤثر على حصة مصر من المياه، بالإضافة وقف التصريحات العدائية، وتحسين علاقاتنا مع دول الجوار.
وأشار مطاوع، إلى أن الفترة من عام 1999 وحتى 2007، التى فُعّلت خلالها مبادرة حوض النيل، كانت تمثل "شهر العسل"، بين دول حوض النيل، والتى انتهت بفشل اتفاقية عنتيبى، موضحاً أن مصر لديها من وسائل القوى الناعمة للحفاظ على حصتها من المياه، وعلى رأسها عدم السماح بمرور سفن إثيوبيا أو الدول الممولة لسد النهضة من قناة السويس.
وأوضح، أن التصميمات القديمة للسد فى إثيوبيا لم تكن تمثل أى خطورة، ولكن تم إدخال تطويرات عديدة على التصميمات وتغيير الاسم أكثر من مرة، منذ عام 2011، لافتاً إلى أن ذلك يعتبر استغلالا للأزمة السياسية والأوضاع غير المستقرة فى مصر.
يأتى هذا فيما أكد الخبير الزراعى، د.زكريا الحداد، أستاذ العلوم الزراعية بجامعة بنها، عضو مجلس أمناء التيار الشعبى المصرى، أن الزراعة هى محور التنمية الحقيقى فى مصر، لافتاً إلى أن نجاح ثورة زراعية فى مصر، سيساعد على تحقيق أهداف الثورة "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".
وقال أستاذ العلوم الزراعية بجامعة بنها، خلال كلمته بالمؤتمر، إن مصر يمكنها توفير مواردها المائية بعدة طرق، منها استخدام الميكنة الحديثة فى الرى، بما يساهم فى استغلال كل قطرة مياه، ويحقق الدرجة القصوى من الاستفادة من المياه فى الزراعة.
وأضاف عضو مجلس أمناء التيار الشعبى، أن مصر يمكن أن تلجأ إلى إقامة مزارع سمكية داخل قرى وصوبات زجاجية، بما يمنع وجود بخر للمياه، بالإضافة إلى استغلال الشواطئ الساحلية لمصر، بما سيوفر استهلاك المياه المستهلكة فى المزارع السمكية على ضفاف النيل، بما يقارب حوالى 3 مليارات متر مكعب.